النداهة ..


  النداهة ..
                                                  
                                       
يا ابني حرام عليك بقي عندك 30 سنه ولسه مش عايز تتجوز  .. ما عادل ابن خالك من نفس سنك اهوه ..
هنا يصرخ ذاك الشاب : أبوس ايدك ارحميني يا امي .. انا مش صغير علشان تقوليلي أتجوز دي وسيبك من دي ..
الام : علشان ما بقتش صغير يا هاني انا بقولك لازم تتجوز يا ابني العمر بيجري ..

هنا يبدو وكآنه لم يسمع ما تقوله امه .. فقط يفتح دولابه .. ويختار بعض الملابس ويرتبها ويضعها في حقيبه ... !

الام : انت بتلم هدومك ليه يا ابني رايح فين ... ؟
هاني : مفيش يا ماما بس بجد تعبان شوية محتاج أغير جو ..
الام : وهتروح فين يا هاني ... ؟
هاني : مسافر البلد ااقعد يومين ..
الام : طيب وشغلك يا ابني .. !
هاني : انا اخدت اجازه كام يوم .. الفتره اللي فاتت كان فيه ضغط شغل رهيب اوي .. ومكنتش بنام كويس ..

هنا يقطع حديثهما هاتف هاني .. ينظر في شاشته انه رقم علاء صديقه .. يرد بصوت مرهق ..

هاني : ايه يا علاء اخبارك ايه ..
علاء : انا الحمد لله .. عرفت انك اخدت اجازة 3 ايام قولت اتصل ارخم عليك واحسدك شوية المهم هتعمل ايه في الاجازة دي .. ؟

هاني : ابدا ً عندنا بيت في البلد بتاع جدي .. قديم شوية هروح اغير جو هناك .. هو أي نعم البيت مقفول من مده .. ومحتاج شوية ترتيب .. بس اهوة تغيير جو ..

علاء : طيب ربنا معاك .. ولو احتجت حاجه ابقي كلمني ..

اغلق علاء معه من ثم راح يمسك بالهاتف .. وينظر لهاتفه لـ ثلاث ثوان من ثم القى بجسده الي السرير يتأمل سقفه .. ويفكر ماذا سيفعل .. يشعر بحياه ممله مع اسرته التي لا تكاد تفهمه .. وابوه الذي دائما ينتقد تصرفاته .. ورئيس عمله الذي دائما ً ما ينهكه في العمل .. وحبيبه ارهقه الزمن بحثا ً عنها .. حتى بعض الشعرات السود تمردت في رأسه وخلعت السواد وكست نفسها بالابيض .. في تحدى منها لشبابه .. !

نظر في ساعته .. انها العاشره صباحا ً .. عليه ان يستعد الان فطريق السفر امامه طويل .. ارتدى ملابسه وأمسك بحقيبته خارجا ً من غرفته .. في اللحظه التي يجلس فيها والده يشاهد التلفاز .. و والدته تخرج من المطبخ تحمل علي يديها " صينيه " بها كآستين من الشاي .. يغلق باب غرفته .. ولكن لم يلفت انتباه والده صوت الباب .. فكان التلفاز يستحوذ علي انتباه ..

هاني : مش عايزين حاجه .. انا يدوب الحق اروح علشان اوصل قبل الليل ..

ينظر ابوه اليه من فوق لتحت وكأنه قد عرف من ام هاني ما ينوي هاني فعله ولم يعجبه قرار هاني كالعاده .. فيتمتم بين نفسه بكلمات غير مفهومه .. !!

هنا ترد ام هاني : سلامتك .. وربنا يهديك مش هقول غير كده ..
هنا يبتسم هاني ابتسامه عدم الرضا .. ويهز رأسه من ثم يخرج من البيت ..

وبعد مشوار مرهق من السفر .. آخير وصل قبل حلول الظلام .. الي القريه التي تبتعد عن القاهره بـ ساعات طويله .. قريه برغم ان ما بها مصريين الا انها تختلف كثيرا ً عن القاهره .. كل ما في تلك القريه غريب .. لم يعتقد ان هناك اطفال تمشي حافيه الاقدام في العام 2013 في زمن انتشرت فيها التكنولوجيا ... مازالت تلك القريه حيث " عمدان الاناره " ذات الضوء الخافت ليلا ً .. واسلاك تربط بين الاعمده وبعضها .. وهناك محل بقاله وحيد .. في القريه كلها .. ويجمع بين اغراض الكهرباء والعطاره وكل شىء .. وبرغم ذلك هو عباره عن شقه بها فتحه تطل علي الشارع ..  والحائط مكسو بطلاء قديم واستخدام لـ " موازين " قديمه .. تلك الموازين التي تحمل كفتين .. لا يوجد هناك ميزان بالكهرباء كما بالعاصمه .. اغلبيه الاطفال تمشي بلا بناطيل تستر عوراتهم .. اما عن الكبار فـ اغلبيه وجوههم أشبه بلوحه فنيه تعكس الفقر والشقاء والمعاناه التي يعيشها سكان تلك القريه .. والمسنين تملىء وجوههم التجاعيد كما تنحت الشقوق اقدامهم .. ملابسهم بعضها " مقطع " واغلبيتها متسخ .. لا يوجد صرف صحي .. ولا يوجد مياه فقط طلمبات مياه او كما يقال عليها بلهجتهم " طرمبه " اغلبيه البيوت لها ابواب خشبيه عملاقه وكأنها ابواب لـ كهف او مغاره .. وما جذب انتباه بعض الصبيه التي تتجاوز اعمارهم الثلاثه عشر خريفا ً وتقف عاريه تمام علي احدى الترع تستحمى بلا خجل او حياء .. كل شىء بسيط وممكن في هذه القريه .. الناس تنظر له بـ استغراب .. فـ هي قريه صغيره محدوده لا يوجد بينهم غرباء .. فالغريب بينهم معروف جدا ً .. وأغلبهم ينظر إليه في انتظار ان يلقي عليهم السلام .. والاخر ينظر اليه مشبها ً عليه .. اما هو فلم يأتي الي تلك القريه مما يقارب ثمانيه اعوام .. ولكن كان يأتي ابوه لزياره اقاربه في بعض الاوقات .. ربما اخر مره كانت ما يقرب من عام تقريبا ً .. اما هاني فدائما ً ما يعشق زحمه القاهره واضوائها وسيارتها .. كل شىء معاكس .. ولكن ما الذي غير رأيه فجاءه وجاء ليزور منزل جده القديم ... !!
انها حاله اكتتأب يمر بها .. !

ها هو اخيرا ً وصل الي منزل جده .. ويحاول ان يفتح " القفل " ولكنه لا يستجيب لمحاولات فتحه .. انه هو المفتاح .. ولكن لماذا لا يفتح .. وبعد محاولات عديده .. انتهى صبره فـ بحث عن " حجر " وكسر القفل ... !
دخل المنزل .. انه اشبهه بمغاره .. يخشي ان يلامس الحوائط .. فطلائها قديم جدا ً ومتساقط .. والاتربه تكسو كل شىء .. ! بدأ ينظر في جنابات البيت .. وبعض الصور التي وضعت علي الحوائط التي كساها خيط العنكبوت .. !

حاول ان يجد لنفسه مكانا ً علي السرير بين الاتربه .. ولكنه لم يفلح .. بدأ يبحث عن مفارش في دولاب جدته وبالفعل وجد مفرش نظيف .. بدله فورا ً .. والقي بجسده المنهك علي السرير .. وراح يحدق في جنابات الغرفه .. واثناء النظر الي صوره جده .. وجد عيناه تتحرك .. !

هنا اعتدل من نومته وجلس بسرعه علي السرير .. راح يفرك عينيه .. وينظر للصوره .. انها كما هي .. هل التعب يفعل كل ذلك ... مؤكد .. لا شىء يفعل ذلك سوى الارهاق .. !
حاول ان ينام مره اخرى .. وكآنه اراد ان ينظر مره اخرى لصوره جده ليتأكد .. انه تخيل ذلك فقط ليس إلا .. واثناء النظر .. وجد جده يخلع طقيته من علي رآسه .. ! هنا انتفض من علي سريره واقفا ً .. اقترب من الصوره وجدها كما هي .. خلع الصوره من الحائط .. وضعها علي كنبه كانت بالجوار من السرير .. وحاول ان ينام .....

صوت العصافير .. أيقظه من نومه ينظر في هاتفه انها السابعه صباحا ً .. متعجبا ً هل نام كل هذا ولما لا .. المشوار طويل للغايه وكان مرهقا ً جدا ً .. اخذ يتذكر ما حدث له ليله البارحه .. واثناء تذكره وقعت عينه علي الحائط .. انه صوره جده كما هي .. زاد تعجبه .. وقفز من علي سريره هل الارهاق فعل بي ما حدث بالامس .. ؟ ام كان مجرد حلم .. !

ياربي .. أكيد حلم .. ماهو مش معقول جدي المرحوم هيقلع طاقيته في الصوره .. وأكيد انا لسه ما اتجننتش .. ياه علي التعب ده خلاني شفت حاجات وكآنها بجد .. ! ( محدثا ً نفسه )

يغسل وجهه علي حوض " الطرمبه " وهو حوض اسمنتي علي عكس احواض القاهره .. بدء يستخدم " الطرمبه " ومن حسن حظه انها مازلت قادره علي اخراج المياه .. بعد عده محاولات .. وتحضير لها .. غسل وجهه .. وذهب يبدل ملابسه لكي يبحث عن مكان يشتري منه طعام ليفطر .. وبالفعل بدل ملابسه وخرج .. وجد رجل يركب حماره .. ويجر خلفه " بقرتين " ما هذا الهدوء الذي يملأ ارجاء المكان .. لحظات و وجد شاب يقترب منه يرتدي جلباب قديم .. وفي كل خطوه يقتربها منه تبدو ملامحه مألوفه الي وجهه ..

هاني : صباح الخير ..
الغريب : صباح النور يا استاذ ..
هاني : عايز اشتري فطار أجيب منين .. ؟
الغريب : طعميه يعني وعيش .. !
هاني : اه يعني ... حاجات زي كده ..
الغريب : بص هو العيش في الفرنه اللي علي اخر الشارع  .. وهناك هتلاقي واحد بيعمل طعميه .. اما لو حبيت تجيب لانشون هتلاقي عند عم حلمي ... ( استوقفه هاني ) وفين عم حلمي ده ..
الغريب : انت روح عند بتاع الطعميه .. وألف مين يدلك علي دكان عم حلمي .. هو صحيح حضرتك مين .. انا من بيت الحج عبد الرازق ابو البكري .. انا ابن عبد العظيم ابنه .. هنا بدا علي الغريب انه تعرف عليه وقال : انت هاني .. صح ؟
هنا تعجب هاني من سرعه تعرف الضيف عليه ..
هانى: علي فكره انا بردو بشبه عليك وحاسس اني اعرفك من زمان ..
الغريب: حاول تفتكر كويس .. فاكر لما كنا صغيرين وبنروح نجيب توت من غيط الديره .. هنا سكت هاني للحظات .. من ثم قال انا عارفك .. انا متأكد اني عارفك .. بس المشكله الاسم تايهه عني .. قاله انا عيد .. انا عيد ابو مطاوع .. هنا صرخ هاني .. عيد ايوة انا افتكرتك وسلم عليه بحراره . ازيك يا عيد ..

عيد : شكلك أتغير خالص يا هاني وربنا ما عرفتك ..
هاني : من زمان اوي ما نزلتش البلد كنت ساعتها يجي 22 سنه تقريبا ً ..  كبرنا بقي خلاص ..
عيد : المهم انا هعدي عليك انهارده بليل اسهر معاك شوية ..
هاني : بس كده .. تعالي يا سيدي تنورني ..
عيد : تعيش .. انا رايح الغيط .. وانت هتلاقي الفرنه في الشارع ده ..

يذهب عيد في طريقه .. ويذهب هاني في طريق " فرنه العيش " وسط نظرات من الجميع .. من هذا الغريب .. الذي يرتدي ملابس غير مألوفه .. ويحمل وجه ذو ملامح غريبه عن ملامح اهل القريه ..

يذهب بعدما قضى جميع اغراضه واشتري شاي وسكر .. وذهب لبيت جده .. وبعدما انتهى من الفطار .. حاول ان يعبث بالتلفاز .. ولكنه بالطبع لا يعمل .. أبتسم وقال هذا افضل شىء .. حياه بلا مدنيه .. ولكنه وجد  " راديو " ضخم .. أوصله بالتيار الكهربائي .. وكأنه علي يقين بـ انه لن يعمل .. ولكنه تفاجىء حين وجده يعمل .. فعندما اوصله بالتيار الكهربائي .. سمع ام كلثوم تدندن أغنيتها الرائعه التي يعشقها هاني .. " أكاد أشكُّ في نفسي لأني أكادُ أشكُّ فيكَ وأنتَ منّي "

جلس يدندن مع الست .. مع كأس من الشاي محركا ً رأسه ويديه مع الحان الاغنيه .. من ثم اخرج كتاب من حقيبته قد احضره معه .. وبدأ يخفض من صوت المذياع .. ويحاول ان يقرأ .. مر كثير من الوقت بين القراءه وبين الاستماع الي مسلسل اذاعي .. حتي بدأت شمس اليوم الاول في غروبها ..

خرج ليتمشي قليلا .. فلا شىء اجمل علي الاطلاق من وقت غروب في بلد ريفي تمشي وحيدا ً الاشجار عن يسارك .. والترعه عن يمينك تعكس وجهك في مائها ..
تنظر فلا ترى علي مدى بصرك سوى حقول شاسعه و مساحات خضراء لا حدود لها بيوت اقصي عدد لطوابقها ثلاثه طوابق .. لا توجد ابراج سوى ابراج الحمام .. هنا طفولته .. وهنا أجمل ذكرياته .. بدأ يمشي حتى دخل الليل شىء فشىء .. جلس امام بيته يتأمل الليل وجماله وهدوءه .. ولكن الاضواء في تلك القريه أضعف مما يكون فهو يرى البعض يمشي .. دون التعرف علي ملامح احد .. حتي صلاه العشاء التي بعدها تختفي الحركه نهائيا ً وكأن الساعه الرابعه فجرا ً في شوارع القاهره .. الابواب تغلق ولا شىء سوى ضوء منبعث من عمود في الطريق .. برغم لمبته الصغيره .. ألا انها هي التي تنير هذا الطريق ..
الي حد ما بدأ يشعر بالملل .. ولكن الراديو صديق جيد في هذه الحاله .. واثناء قيامه لـ احضار الراديو .. وجد ظل يقترب منه .. بدأ ينظر .. انه يسمع صوت مساء الخير .. انه صوت عيد مطاوع ..

هاني : مساء النور .. تعرف انا افتكرتك بتقول كده ومش هتيجي .. والصراحه كنت بدأت احس بالملل .. استني ااقوم نعملنا كوبايتين شاي .. وما هي الا دقائق وخرج بالشاي .. مرحبا ً بصديقه .. وبعد الانتهاء من الشاي .. طلب عيد من هاني المشي معه .. ولكن هاني تمشي كثيرا ً اليوم .. فطلب مره اخرى عيد ..

عيد : ياعم بطل كسل بقي وتعالي ..
هاني : ماشي ياعم يلا ..
ومضي الاثنين في طريق لا يعرفه هاني .. طريق لم يكن به أعمده للإناره .. فقط ضوء القمر ..
هاني : هو ليه مفيش نور هنا .. ؟
عيد : اصل ده طريق المقابر بتاعتنا .. يعني هتعمل ايه " اللوند " ( اللمبات ) في اللي عمله أسود ..
ضحك هاني من مزحه صديقه .. !
عيد : تاخد شوية لب تتسلى .. !
هاني : هات يا سيدي ..
وعندما نظر هاني لـ يد عيد كي يأخد منها حبوب اللب .. وجدها يد طفل .. هنا بدأ الخوف يتسلل الي قلب هاني ..
طلب منه العوده .. ولكن عيد قال له : هو انت خايف علشان احنا جنب المقابر .. بتوع مصر دول يا اخي بحسهم بيخافوا اوي .. هنا حاول هاني ان يتماسك .. فمن المؤكد لن يخبره ان خوفه منه هو شخصيا ً .. فقال له : لا ابدا ً بس قلت نرجع وعلي العموم كمل وانا معاك .. وبدأ يتسأل وقتها بينه وبين نفسه هل يداه مبتوره .. ولكنه فتحها واخرج منها اللب .. كيف حدث هذا .. ربما ذلك مجرد تخيل لان الضوء خافت .. وربما هو لم يركز جيدا ً .. هنا طلب منه عيد مره اخرى .. هل تريد المزيد من اللب .. ؟ فقال دون تردد اه لكي يتأكد من كف يده .. فـ اخرج عيد من جيبه .. في اللحظه التي يصب بها هاني كل تركيزه تجاه قبضه عيد ولكن تاتي المفاجاءه .. كف يداه عملاق جدا
هنا انتفض هاني .. عيد ايه ده .. ؟ فرد عيد : مالك في ايه .. ؟؟
هاني مفيش .. واستمر الصديقان في طريقهم المظلم .. حتى ظهر ضوء منبعث من عمود قريب .. وكلما اقتربا من الضوء .. كلما ظهر خيال عيد اصغر .. وعندما اقتربا من العمود .. وجد هاني ان عيد يصغره طولا ً بكثير .. وكأنه يمشي بجوار قزم .. هنا بدأ جسده يرتجف فسأله عيد : مالك .. ولكن هذه المره بصوت طفل :
هاني لم يستطع ان يتمالك نفسه : مفيش .. انا كويس .. انا كويس .. لازم نرجع .. قاله ماشي هنرجع وانا قلت لا
حاول هاني بينه وبين نفسه الا يحتك بـ " عيد " مره اخرى ولكن اثناء الرجوع بعد محاولات عديده من عدم الحديث وعدم الاحتكاك مع صديقه .. بدأ فضوله يدفعه لاختلاس النظر مره اخرى .. واثناء ذلك وجده عملاقا ً طويلا ً .. بدأ يرتعد هاني .. سأله عيد : مالك يا هاني .. فرد كالعاده هاني : مفيش .. مفيش .. مفيش .. عيد بصوت غليظ طيب
واثناء الرجوع .. حاول عيد ان يذهب من طريق آخر .. فقال له هاني .. مش ده طريق الرجوع ..
عيد : اه ما انا عارف بس ده ااقرب كتير ..
هاني : لا خلينا في الطريق اللي جينا منه ..
عيد : بس التاني اقرب .. واحسن من ده ..
هاني : بص انا همشي في الطريق اللي اعرفه .. ومش همشي في طريق ما اعرفهوش ..
عيد : خلاص نكمل مع بعض ..
واثناء السير سمع اصوات عاليه في الخلف .. ولكنه لم ينظر خلفه .. بدأ يشعر انه يمشي مع عده اشخاص انفاسهم بقربه .. يشعر انه لو توقف فجاءه سيصدمه احدهم من الخلف بجسده .. فقط ظل يمشي ويهرول .. وعندما اقترب من المنزل بدأ يهدأ قليلا ً .. هنا قال له سـ اذهب انا من هذا الاتجاه .. وذهب عيد .. فزاد من خطواته هاني الي المنزل .. وعندما وصل الي باب بيته اخد يتنفس بصوت عالي .. كاد قلبه ان يتوقف .. وكاد صدره ان يتمزق .. هنا دخل بيته واغلق الباب .. فرد جسده ع السرير وحاول ان ينام .. ويحاول ان يستوعب ما حدث له .. ! او يفسره ..
ولكن عقله اقل من ان يستوعب أي شىء .. ! في اللحظه التي يقرر فيها ان هذا اليوم هو آخر ليله له في هذه البلد الغريبه .. هنا ايقن ان هذا الشخص لم يكن بشر .. انه شبح من عالم آخر بالتأكيد .. ! وان مشاكله مع اهله وتعبه في العمل افضل الف مره من قضاء ليله من الرعب كما حدث له .. واثناء كل هذا .. سمع صوت ينادي عليه .. يشبه صوت أمه .. فتح الباب فوجد انثي تقف بعيدا ً عن الباب .. تقول له تعالي يا هاني عيزاك ..
- انت تعرفيني
- بقولك تعالي .. حاول ان يقترب منها .. ولكن الغريب .. هو يراها واقفه في مكانها .. وكلما يمشي في اتجاها تظل المسافه بينهم كما هي .. وعندما نظر للخلف فجاءه .. وجد انه أبتعد كثيرا ً عن البيت .. رجع مسرعا ً الي البيت وقفز الي سريره .. شعر بـ ان هناك شخص يشاركه السرير .. انفاس في اذنيه .. يد تمتد حوله .. ظل جسده يرتعد طوال الليل ..
حتي جاء الصباح .. اخذ حقيبته وأغلق الباب بـ " قفل " أخر قد اشتراه .. وفي طريق العوده وجد امامه " عيد "
فقال في نفسه انت مره اخرى .. ولكنه لم يعد خائفا ً كـ مساء الليله السابقه .. فـ اقترب منه عيد وسأله علي فين
هاني :  خلاص ياعم انا ماشي ..
عيد : ليه كده بس انت مش كنت بتقول هتقعد يومين  .. ثم انا مالحقتش اقعد معاك ..
هاني : لا كفايا امبارح ...
عيد : انت بتتريق عليا علشان ما جتش امبارح يعني ..
( هنا تسقط الشنطه من يد هاني )
هاني : بنقول ايه .. ؟
عيد : مالك .. أتغيرت ليه كده .. !
هاني : مش انت جيت امبارح بليل .. وخرجت معايا .. ؟
عيد : لا والله .. انا امبارح جوز اختي جه سهر معايا شوية وكسلت اجيلك ..
هاني : امال مين اللي كان معايا .. وخرج معايا عند طريق المقابر .. !!
عيد : عيد يا سنه سوخه .. انت بتقول طريق المقابر ..
هاني : اه .. حد كان شكلك اوي بس كان شخص غريب جدا ً .. وانا بدأت اشك انه مش شخص طبيعي .. وعلشان كده مكملتش معاه للآخر ..
عيد : اكيد طبعا ً مكملتش .. دي " النداهة " يا استاذ لو كنت روحت معاها مكنش زمانك واقف معايا دلوقت ..
هاني : " نداهة " ... !!
عيد : ايوة طبعا ً .. كانت هتسحبك وياها لحد الترعه وتغرقك لحد ما تموت ... انت تحمد ربنا وتبوس ايدك وش وظهر .. !
هنا يمسك هاني بحقيبته من علي الارض ويمشي في طريقه مذهولا ً .. محاولا ً استيعاب كل ما حدث له .. !


الجزء الثاني


وظل ماشيا ً في طريقه .. مسترجعا ً كل شىء .. حتي وصل الي المكان الذي تأتي اليه السيارات .. فالقريه بعيده لا تدخلها سيارات ولا يوجد بها وسائل مواصلات .. أغلبيه أهلها تستخدم الحمير .. فكان عليه ان يسير علي قدميه ما يقرب من الخمس كيلوهات سيرا ً علي الاقدام .. حتي يصل الي قريه اخرى .. اكبر قليلا ً .. وبرغم ذلك عليه ان ينتظر ايضا ً فالسيارات غير متوافره .. نادرا ً ما تأتي .. وضع حقيبته علي الارض .. وحاول ان يجد لنفسه مكانا ً تحت شجره الصفصاف .. وبعد مرور ساعه .. من التأمل وتذكر كل شىء .. مرت امامه سياره .. ولكن من شرد ذهنه لم يلاحظ السياره .. ولكن من حسن حظه شخص اخر قد جاء ونادى علي السائق بصوت عالي مما جعله ينتبه .. هنا نادى للسائق انتظرني ... حمل حقيبته .. وبدأ في طريقه .. ولكن اثناء ذلك صرخ في السائق فجاءه .. انتظر ... تعجب السائق ماذا حدث .. ؟ فقال هاني لا شىء .. خذ اجرتك كامله كما هي .. انا سوف اعود نسيت بعض اغراضي .. وبالفعل توقف السائق .. وبدأ في طريق العوده مره اخرى ... !

هنا يفتح حقيبته .. يفتش فيها .. ولكنه أكتشف اخيرا ً بـ ان هاتفه مازال في البيت .. وعليه الان ان يحمل حقيبته مره اخرى لسكه العوده التي تمتد عدة كيلوهات ..  اذان الظهر الان ..
عليه ان ينسى كل ما مضى .. ويتماسك للوصول الي البيت مره اخرى .. ودخوله .. وبالفعل دخل المنزل بعد مشقه الطريق الطويل .. وظل يبحث عن هاتفه .. وفي النهايه وجده آسفل وسادته .. ولكن هل يستطيع ان يعود كل تلك المسافه مره اخرى الآن .. ؟

بالتأكيد لن يستطع .. هو بحاجه لبعض الرآحه .. وخاصه انه في فتره النهآر .. جلس علي الكنبه واضعا ً يديه بجواره .. ناظرا ً للأرض .. من ثم يبتسم .. وكآنه لا يصدق ما حدث له .. هنا يسمع طرقات علي الباب .. فيخرج ..

هاني : تعالي يا عيد ..
عيد : انا افتكرتك مشيت .. وبعدين لقيت الباب مفتوح استغربت .. وقلت اجي اشوف ايه الحكايه ..؟
هاني : انا فعلا كنت مروح .. بس نسيت الموبايل بتاعي رجعت اخده وهرتاح شوية وامشي تاني ..
عيد : ده كلام .. هتروح .. علشان خايف من كلام فاضي .. ! مش تجمد قلبك كده عموما ً الي بيخاف من عفريت بيطلعله .. كان جدي دايما ً يقولي كده ..
هاني : بس كويس انك جيت تعرف الواحد لما بيشرب شاي لوحده ما بيبقاش ليه طعم يا اخي ..
عيد : لا وليه تشربه من غير طعم .. انا قاعد معاك اهوة .. بس ابقي تقله شوية وزود السكر ولا انت بخيل يا عم .. يرد هاني من الداخل وهو يعد الشاي .. انت تعرف عني كده بردو .. يضع الشاي علي طاوله خشبيه بينهم .. من ثم يرن هاتف هاني ..
هاني : ايوة يا ماما .. انا كويس الحمد لله .. لا اطمني .. اه ان شاء الله .. ماشي .. حاضر .. حاضر .. طيب .. مع السلامه .. يتجه بوجهه الي عيد .. انا جبتلك السكر كله حط لحد ما تقول استكفيت .. واثناء ذلك ينظر لكوب عيد .. فاذا بها فارغه .. هو الشاي وقع .. !
عيد : احنا صعايده ما بنشربوش غير حامي ..
هاني : انا ما حطتش سكر عليه خالص علي فكره ..
عيد : ايوة ما نا اخدت باللي وحطيت ..
يحاول هاني ان يرفع كوبه ولكنه لم يستطع من سخونتها .. هنا يضحك عيد ضحكه ساخره .. انت عايش في مصر .. جلد ايدك طري .. ايدك النعمه ما تتحملش .. اما انا جلد ايدي مات من الشغل في الغيط والحر .. بمعني اصح ما بقناش نحس .. !!

وبعد ساعه من النقاش .. يستأذن عيد .. ويذهب .. يحمل هاني " صينيه " الشاي الي المطبخ وعندما دخل  وبدأ يبحث عن شىء ليآكله .. بعدما اكتشف بالصدفه انه لم يفطر من شده انشغاله بالتفكير .. ولكن بعد وجود عيد معه بدأ ينسى كل شىء .. ونسى الخوف .. كل ما يتذكر هو مقوله عيد له " العفريت بيجي للي بيخاف منه " هذه المقوله فقط تمنحه الكثير من جرعات الشجاعه .. وربما هو علي يقين بـ ان الاشباح لا تظهر سوى في الليل .. وحده الليل سيكشف كل شىء .. ان كان التظاهر بالشجاعه سيمنع الاشباح من الظهور  بعدما قرر ألا يعود ويحاول قهر الاشباح بالجرأه.. ام ستأتي .. ولكنه في كلا الاحوال يعرف جيدا ً بـ ان ماحدث له ليله البارحه لم يكن تخيل أو وهم .. ! واثناء تفحصه للمطبخ .. وجد شىء توقف عنده من الاندهاش .. !
لم يصدق ما يرى .. " صينيه الشاي " بها كوب مازال ممتلىء .. !
يحدق اكثر .. يقترب أكثر فأكثر .. انه كوب عيد ... ! هل الاشباح بدأت اليوم باكرا ً .. !
( محدثا نفسه بصوت مسموع ) وادي كوبايه الشاي .. ويلقي بها علي الارض ..

يخرج من المطبخ يفتح شنطته يخرج منها علبه من الجبن .. ويعاود المطبخ مره اخرى .. يحاول ان يفتح علبه الجبنه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومه ..  يكتشف انه يحاول فتح علبه الجبن بملعقه يلقي بها .. " يوووه " فين السكينه ... ياخذ السكينه يفتح علبه الجبن يخرج مره اخرى ليحضر بعض الخبز الذي قد اشتراه بالامس .. يقوم بعمل " ساندوتش " ويآكله وهو سرحان ينظر الي علبه الجبن .. فيكتشف خروج " خنفساء " من علبه الجبن .. هنا يتوقف عن المضغ .. ولا يستطيع بلع ما تبقي من طعام في فمه .. يفرغ ما في فمه من طعام علي الارض .. وينظر لعلبه الجبن ماذا حل بها .. برغم انه فتحها ولم تتغيب عن ناظره .. فظن ظن انها حشره سقطت من السقف الخشبي المتهالك ولم لا .. اخذ يمسك علبه الجبن ليلقي بها .. ولكنه صدم حين اكتشف انها تعج بالحشرات عن اخرها .. القي بها فورا علي الارض .. واذا باكثر من عشره خنافس يخرجون منها ببطء واحده تلو الاخرى .. هل هذا من فعل الاشباح .. ! ولكنه يتذكر " العفريت ما بيطلعش غير للي بيخاف منه " ظل يضرب الخنافس بقدمه بعدما ارتدا حذائه .. ومع كل صوت لـ انفجار امعاء لواحده منهم .. يغلق هو عينيه ويشعر بالدوران والقرف .. يضع يديه علي بطنه ويتذكر ساندوتش الجبن .. من ثم يفرغ كل ما في جوفه

اخذ دلو وأحضر به ماء ليستحم به من تلك القذورات التي راها .. وربما يشعر بالهدوء أكثر .. وبالفعل بعد ان ملىء الدلو بماء من ال " طرمبه " فهذا المنزل لا يعرف " الدش " كل اعتمادهم علي " طلمبات " المياه اليدويه .. ! سرعان ما انتهى من الاستحمام وبدل ملابسه .. وماهي الا ساعاتين علي الليل .. ماذا سيفعل في الليل المجهول الذي ينتظره ..
عاد ليبحث عن الراديو من جديد .. أوصله بالتيار .. يبدل المحطات .. مسلسل اذاعي .. جميل جدا ً
يجلس علي الارض مسطحا ً رافعا ً قدميه علي كرسي خشبي .. وجاعلا ً من ذراعيه وساده لرآسه ..
يتأمل السقف ويشرد بذهنه .. ذهب عقله الي منزله واسرآته .. وهنا ضاع ساعتين ودخل الظلام .. فجاءه تغيرت الاذاعه .. وكآن احدا ً يعبث بالراديو تتغير الموجات .. هو لم ينتبه بعد .. يعلو صوت الراديو اكثر .. بدأ ينتبه .. قام من جلسته ذهب في اتجاه الراديو .. وجده يشتغل بصوره طبيعيه ..
ذهب يجلس علي ذاك الكرسي .. وجد شخص ينظر اليه من الغرفه الاخرى لا يبدو منه سوى عينان .. ذهب مسرعا ً أشعل النور .. فـ ما هي إلا لحظات .. وانفجر المصباح .. واحترقت اللمبه ..
خرج ليجلس مكانه مره اخرى .. فسمع طفل يبكي .. يالله من اين هذا الصوت .. صرخ بـ اعلي صوته .. يـا الله .. الله اكبر .. هدوء خيم المكان .. انطفىء الراديو .. حاول ان يفصله من التيار الكهربائي .. حاول توصليه مره اخرى الراديو لا يعمل .. ! فجاءه انفصل التيار الكهربائي عن المنزل .. لا شىء سوى الظلام .. لا يستطيع ان يرى كف يديه .. وهو مازال غريبا ً عن البيت لن يستطيع الحركه في الظلام .. هو يريد فقط الباب والخروج الي ان تأتي الكهرباء .. بدأ الخوف يتسلل الي قلبه .. بدأت تتعالي انفاسه .. يحاول ان يبحث عن مخرج .. ولكن قدماه غريبتان عن المكان ..
يتحسس .. الطاوله ولكنه بدأ يستمع لـ اصوات في المطبخ صوت امرأه مسنه .. سمع اصوات معالق تتخبط .. وكآن شخص يغسل شىء ما بالداخل .. بدا يتحسس الباب .. واثناء ذلك وجد وكأنه ضغط علي قدم طفل تحته .. وسمع صوت طفل يصرخ " آه " بعد ذلك صوت رجل كبير .. يرتل اشياءا ً غير مفهومه .. وكآنه يقرأ قران . ولكنه لم يفهم .. فقط يستمع الي  تمتمات .. !
وصوت من الغرفه الاخرى هناك ... امرأه عجوز تتألم .. من ثم انفاس تنفخ في راسه من تحت .. كاد ان يموت في تلك اللحظه .. انفاسه تتقطع .. يشهق بشده .. ولكن اخيرا ً لامس الباب .. وفي اللحظه التي فتح فيها الباب .. وجد التيار الكهربائي قد عاد مره اخرى .. !
الراديو يعمل بشكل طبيعي .. كل شىء موجود بمكانه .. دخل المطبخ .. فهو قد سمع صوت زجاج وكأن كوب انكسر .. لم يجد أي أثر لذلك ... ! ظل يستمع للراديو وكأن شىء لم يكن .. استمر علي ذلك لمده ساعتين .. كل شىء عادي جدا ً .. هنا غلبه النعاس .. اطفأ الانوار .. ولم يترك سوى ضوء خافت .. ونام اغلق عينيه حتى لا يرى أي شىء .. ولا يريد ان يتذكر أي شىء .. فقط يتذكر امه وابوه .. وبعد مرور 10 دقايق أكتشف ان طريقته بالفعل نجحت .. هو بالفعل لا يخاف الان .. حاول ان يغير اتجاه نومه الي جهه اليمين .. واضعا ً يديه بجواره علي السرير .. ولكن الغريب انه تحسس شىء اخر .. يبدو من لمسه انه جسد لـ امرأه عاريه .. أغلق عينيه أكثر ولكن ماذا ان كان ما يشعر به ليس سوى تخيل .. ولكنه علي يقين بـان الاشباح تظهر له .. بدأ يتحسس ذلك املا ً ان يكون أي شىء آخر .. فوجد يداه علي صدر انثى .. وبين اصبعيه " حلمه " لصدر امرأه .. هنا ازداد توتره  .. هي لم تشعل فيه شهوه الجنس فهو مشتعل بالفعل بالخوف .. بدأ يرتجف سائر جسده علي السرير من الرعب وسحب يديه بهدوء تام .. اخذ يتحرك السرير بصوت عال من شده انتفاض جسده عليه .. ماهذا المخلوق الذي بجواري .. سـ اواجهه .. حتما ً سـ افتح عيناي .. ولكنه لم يستطيع .. حاول مره اخرى .. سـ افتح .. سـ افتح عيناي .. من هذه المخلوقه .. فتح عيناه .. فـ اذا به يصرخ وجد قطه سوداء تصرخ في وجهه " نااااااااااو " اعتدل من نومته .. واخذ يتنفس بصوت عال .. ويخرج زفير بصوت متقطع .. قلبه يدق اسرع .. العرق يكسو وجهه ... !
قفزت القطه من علي السرير .. بعدما القي بوسادته علي وجهها البشع .. وكآنها بقفزتها تلك اختفت ,
جلس علي سريره .. ولكنه يتحاشى النظر الي أي شىء .. يفكر في اناره الغرفه .. ولكنه لم يعتاد النوم في اضاءه ساطعه .. ما السبيل الي النوم اذا ً .. ! حاول ان يكمل كما كان نور خافت .. وقليل من الهدوء .. وضع راسه علي وسادته .. اشتغل الراديو وحده علي اذاعه اجنبيه .. حاول ان يبدو غير مهتما ً .. زاد صوت الراديو .. بدأ يستمع لـ صوت امرأه في الخارج تبكي .. اعتدل من نومته .. فرك عينيه .. سكت صوت المرأه .. بدأ يلوم نفسه .. كيف ان ادخل معركه مع اشباح .. ربما حاولوا قتلي .. من ثم بدأ يستمع لطرقات الباب بخبطات بسيطه .. من .. من بالخارج .. ؟ صوت يبدو كصوت آمه ... " النداهة " .. بالفعل انها النداهة وحدها تستطيع ان تتجسد في أي شخص تريده .. و وحدها تستطيع ان تأتي بنفس النبره من صوت امه .. هنا لم يرد .. حاولت النداهة ان تسطعطفه .. افتح يا هاني .. انا بموت يا ابني .. هنا لم يتمالك نفسه .. قام من علي سريره .. انزل قدميه .. يحاول الوقوف .. " يتردد " هنا تنادي اسرع .. يا ابني حرام عليك مش قادره ااقف رجلي وجعتني .. هنا ينفطر قلبه علي امه .. ولكنه يدري تلك ليست امه .. هنا تحاول النداهه ان تخدعه مره اخرى .. فسمع صوت " عيد " افتح يا استاذ هاني .. انا موجود مع الحاجه ... هنا بدأ يطمئن للحظه .. اتجه الي الباب خطوتين .. ولكنه بدأ يقف مره اخرى .. " مترددا ً " ينظر من شباكه غرفته في الظلام .. فيرى امه في كامل هيأتها .. تقف .. هنا يقول انها امي بالفعل .. لالا ليست النداهة .. يفتح الباب .. يجدها قد ذهبت وابتعدت .. وبرغم ان مده فتحه للباب قليله .. نظر لها فـ اذا هي بعيده عن البيت .. " كيف اجتازت كل تلك المسافه في هذا الوقت " لم يسأل نفسه وقتها فقط راي امه امامه .. هنا ادعت النداهه السقوط .. وسقطت علي الارض .. هنا صرخ " امي " هرول إليها .. وكعادتها النداهة تسحبه .. بخداعها البصري .. يهرول إليها فيبتعد عن المنزل .. وتبقي المسافه بينه وبينها بعيده .. حتي نظر خلفه فوجد انه أبتعد عن منزله كثيرا ً .. و وجدا ً رجلين يحملون " بنادق " علي اكتافهم يتجهون نحوه .. من ثم أطلق احدهم عيار في الهواء ..  فسمع صريخ لـ امرأه وكأن امرأه تحترق .. هنا اقترب منه الرجلين .. فـ أكتشف انهم " غفر " فقالوا احدهما له : ايه يا سى الاستاذ واخد في وشك ورايح علي فين بس .. حد يمشي ورا النداهة بردو ..
هاني : هاا .. لا أصل .. !
الغفير : لا ها ولا اصل .. انا عارف انك غريب في البلد دي .. بس خد بالك .. المره دي ربنا ستر .. بعد كده مهما تعمل فيك الملعونه دي .. اوعي تمشي وراها .... لو سحبتك علي الترعه هتغرقك وتمص دمك .. !
هنا يبدو هاني في حاله توهان .. شكرا ً .. بجد مش عارف اشكركم ازاي .. !
ويذهب الي منزله .. متعجبا ً من نفسه .. كيف فعلت ذلك .. والي اين كنت ذهب .. وآين عقلك حين ذهبت .. كيف .. ؟؟ ..  كيف ..  ؟؟ !!!!

هنا يذهب ويحاول ان ينام .. ولكن من شده الارهاق لم يشعر بشىء سوى اشراقات الشمس التي تسللت الي حجرته عبر النافذه .. وبرغم ذلك يشعر بالارهاق الشديد .. فيستمر في النوم علي سريره .. متأملا ً سقف الحجره .. ويحاول ان يسرق بعد الدقائق من النوم .. ولكن يأبى النوم ان يزوره مجددا ً .. وبعد فشله في النوم مره اخرى ذهب ليشتري فطور وخبز .. !

وقضي اليوم كما قضي اليوم الذي يسبقه بين قراءه كتاب .. وبين استماع للراديو ..
وبعد اذان العصر بقليل .. وجد الباب يطرق .. " فزع من مكانه " مين ..
عيد : انا عيد يا هاني .. انت نايم ولا ايه ...
هاني : تعالي يا عيد .. لا ابدا ً نوم ايه دلوقت ..
عيد .. انا كنت رايح الغيط  لقيت الباب موارب .. قلت اجي اطل عليك يمكن تكون عايز حاجه ..
هاني : لا ربنا يخليك .. انا كنت بقرأ كتاب حلو اوي ..
عيد : ماشي .. يلا هروح انا ..
هاني : طيب ااقعد اشرب شاي ..
هنا يشكره عيد .. ويهم بالرحيل .. ولكنه يتوقف فجأه .. ويطلب من هاني الحضور معه حتي يخرج يستأنس به  .. هنا يبدو علي هاني وقد أعجبته الفكره .. هو لم يخشي تلك المره من صديقه .. لانه يعرف جيدا ً ان الاشباح لا تظهر نهارا ً .. يبدل ملابسه ويخرج معه ..
ولكن الغريب أثناء رحله السير يصحبه عيد الي نفس الطرق التي ذهب منها مع ذلك الكائن الغريب الذي تمثل في صوره عيد .. حتى وصلوا عند المقابر .. ومرو بها .. بدأ القلق يزداد .. هو كل ما يخشي ان يتحقق ماحدث في الماضي .. من ثم وجد امرأه تمشي بين الحقول .. هنا نظر إليها بشده هاني .. فسأله عيد ما الذي يجذب انتباهك الي تلك المرأه فقال له انا اتذكر هذا الوجه .. فطلب منه عيد ان يستكمل طريقه .. من المؤكد انه لا يعرفها .. ولكن بعد لحظات تذكر هاني ذلك الوجه فنظر خلفه فجأه فلم يجد المرأه .. فقال لعيد تذكرتها تلك المرأه هي النداهه .. انا متأكد مازال وجهه محفور في ذاكرتي .. ولكن عيد لا يبدو عليه أي دهشه .. فيقول له لا اشباح ولا " نداهات " تظهر نهارا ً.. فيسأله هاني اين ذهبت تلك المرآه .. فيرد عيد أكيد دخلت " الغيط " بتاعها .. أكيد مش هتختفي يعني .. !
واستمرا في المشي كلاهما حتي ظهرت امامهم ترعه .. وعليها " فلق من النخل " وهو عباره عن نخله مشقوقه نصفين .. تستخدم للمرور " معديه " .. فطلب عيد منه العبور

هاني : لالا اعدي ازاي بس .. دي صغيره اوي .. ثم شكلها قديم خالص اخاف ما تستحملنيش ..
عيد : ( ضاحكا ً ) الناس طول النهار بتعدي عليها أطمن ..
هاني : طيب تعالي نشوف سكه تانيه غير دي ..
عيد : بس الطريق بعيد اوي .. علي العموم انا هعدي الاول علشان تطمن ..
وبالفعل يعبر في خطوات سريعه عيد تلك الترعه في ثوان .. وهنا يأتي دور هاني .. فهو يحاول العبور فقط من اجل ضحكات "عيد " وسخريته عليه .. فهو لا ينظر له إلا بنظره الشاب القاهري الذي لا يعرف سوى الرفاهيه .. ولكنه يخشي ايضا ً من السقوط .. فالترعه تبدو عميقه وهو لا يجيد السباحه علي الاطلاق ... ! هنا يأخذ القرار .. ينتظره عيد علي الجهه الاخرى من الشاطىء .. ينطلق هاني .. يحاول ان يزن نفسه جيدا ً فوق " فلق النخل " ها هو اخيرا ً يصل الي منتصف الترعه .. ولكنه يسمع صوت " طأطأه " في الجذع .. يحاول ان يخطو أسرع .. ينكسر الجذع .. يسقط هاني في الماء .. شىء ما يجذبه الي الماء أكثر .. ينظر الي عين عيد .. انه يراقبه بنظرات حاده .. لا تبدو عليه أي علامات للتعجب او الدهشه .. وكآنه فخا ً لـ اسقاط هاني فيه .. وبعد " معافره " مع الحياه و " تطبيش " في المياه أخيرا ً يعود هاني الي الشاطىء .. بعدما مد عيد يداه إليه لـ اخراجه .. هو متعجب كل العجب من " برود " عيد في ردة فعله ..  قال له عيد أتبعني لكي نعود من طريق أخر .. كل الخوف مستحوذ علي قلب هاني .. كل ما يفكر فيه كيف يصل الي البيت .. هو ادرك تماما ً انه لن يخوض تلك التجربه .. وسوف يعترف امام نفسه انه هزم .. وانه جبان ..  كل ما يفعله هو اختلاس النظرات الي عيد .. وكأنه يخشي في أي لحظه ان يخرج عيد سكينا ً ويطعنه بها .. شعور بالخوف من هذا الشخص .. ولكنه لا يستطيع العصيان .. فقط يمضي خلفه .. حتى وصلا الي المقابر مره اخرى .. أثر الصدمه حدث لهاني جزء من الشلل الفكري .. ربما لو في وقت اخر لقال لعيد انا سـ أذهب الي البيت .. ولكنه لا يعرف كيف يتصرف وما هو رد فعل عيد تجاهه .. وهل ماحدث اليوم مجرد مصادفه .. ام انها بالفعل لها علاقه بالمره السابقه .. هل عيد شبح .. اذا هل كوب الشاي لم يشربه عيد بالفعل  ام تلك كانت من الاشباح الموجوده بالمنزل .. كل تلك تساؤلات يحاول ان يجد له اجابه في رآسه .. ولكنه لا يجد اجابه واضحه او صريحه .. الغروب يخيم علي المكان .. والليل يقترب .. ولكن عيد يآخذه حيث القبور .. يتجول عيد القبور .. ويتبعه هاني في نظرات كلها دهشه .. حتي يصل عيد الي إحدى القبور .. ويجلس فوقها .. هنا يصرخ فيه هاني ..
هاني : انت قاعد كده ازاي .. حرام عليك يا عيد ... قوم من فوق القبر ..
ولكن عيد وكآنه لا يسمع أي شىء .. عيد انا همشي .. عيد انت سامعني .. ؟؟
هنا ينهض عيد من علي القبر .. ويبدأ في المشي ببطء .. ولا يهتم لـ أي كلمه .. فيقترب منه هاني .. ولكنه يتسمر في الارض فجاءه .. وقعت عيناه علي ذاك القبر الذي جلس عليه عيد .. ولكن ما الغريب .. الذي جذب انتباه .. وجعله يكاد يغشي عليه .. ؟ وجد مكتوب علي القبر هنا يرقد عيد مطاوع السيد .. ومكتوب تاريخ الوفاه .. أي ان عيد ميت منذ اربعه اعوام .. اذا من هذا الشخص ..؟
بدأ الليل في الدخول .. هنا يمشي معه ولم يستطيع ان يتحدث بـ أي كلمه .. حتي وصل الي القريه .. و وصل الي القريه .. بدأ يتجرأ اكثر فسأله عيد .. انت ميت .. ! .. انت عايز ايه يا عيد .. ؟
نظر إليه عيد وقال له : في حاجات كتير انت مش عارفها ... ! بكره هتفهم .. ولما هتفهم هترتاح اوي .. وهتبقي مبسوط جدا ً .. !
هاني : مبسوط من ايه ... ؟ ازاي .. ؟ ولكنه مضي في طريقه وعاد من جديد لصمته وكآنه لا يسمع .. كانت القريه غريبه جدا ً نادرا ً ما يمشي شخص في الشارع .. دائما ً هدوء .. في كل مكان .. فقط مساحات شاسعه من الاراضي الزراعيه ..
دخل لبيت جده .. في انتظار ظهور شىء له .. ولكن في هذه الليل ربما هي الاغرب .. لا شىء علي الاطلاق .. انه اليوم الاول لهاني الذي يشعر فيه براحه الي هذا الحد .. لا وجود لـ اشباح .. لا يوجد اصوات .. وكأن كل شىء طبيعي جدا ً .. هنا بدأ يشعر انه تغلب علي الاشباح او طردهم من المنزل .. هناك شىء هو لم يدركه .. واستمر ذلك حتي الساعه الثانيه عشر من منتصف الليل .. وسمع اصوات في الغرفه الاخرى .. فخرج ولكن الاصوات لم تختفي كالعاده .. بدأ يقترب .. والاصوات كما هي .. دخل الغرفه .. لم يصدق ما يرى .. اشباح تتجسد في بشر .. لم يقترب منهم يوما ما الي هذا الحد .. كل ما يفصل بينه وبين الاشباح لا يتجاوز السنتيمترات .. يتحدثون .. بـ احاديث لم يفهمها .. او بمعني ادق لم يحاول ان يفهمها .. هو مشتت بدأ يتأمل أكثر .. ملابسهم القديمه .. ولكن الاضاءه الضعيفه في تلك الغرفه لم تساعده في تأمل ملامحهم أفضل .. هنا بدأ رجل عجوز ينظر إليه .. أرتعش جسده كله .. وأبتسم له .. هنا كاد ان يغشى عليه .. ولكنه بدأ يتعرف الي هذا الشخص .. ولكن يحاول الا يصدق .. انه نفس الشخص الموجود بالصوره .. هل هذا جده ؟؟ هل يصحو الميت .. ام انها النداهه في محاوله اخرى لخداعه .. هنا نطق جده : هاني .. ما تخافش انا جدك .. !
دقات قلبه تدق اسرع .. جدي .. جدي مين ... وازاي تبقي ميت وتكلمني .. انت صحيت تاني .. هنا ينهض جده ويقترب منه .. فيبتعد هاني .. يقترب منه جده أكثر ويقول له : لا تخف مني .. ولكن كلماته لم تمنع الخوف .. هنا مد يديه واعطي شىء لهاني .. بدأ هاني يتأمل ذاك الشىء .. ما هذا انها مرآه عاديه .. فقال له انظر فيها : نظر فيها فلم يرى نفسه ..
هاني : دي مش مرايه .. انا مش شايف نفسي ..
الجد : بص علي نفسك في المرايه بتاعه الدولاب ..
فلم يرى نفسه .. هنا شعر انه تائه .. غريق بلا بحر .. ما هذا الذي يحدث له .. لا يعرف .. !
هنا اطلق جده عليه رصاصه الرحمه وقال له : أنت ميت .. !
هاني : لا ازاي .. انا عايش .. انت كداب .. ! وانت مش جدي .. !
الجد : حتي عيد مات من اربع سنين .. وانت شفت ده بعينك .. علي قبره .. !
جلس علي الارض .. انا ميت .. ؟ امتي وازاي .. ؟؟
الجد : انت ميت من انهارده الصبح .. ومحدش وصل لجثتك لسه .. !!
هاني : ايييييه ؟؟؟
الجد : عيد كان بيحبك .. وهو اللي ظهرلك علشان يريحك من مشاكل الدنيا .. واحنا كميتين كنا حاسين بيك .. وبمشاكلك مع اهلك .. حبينا نريحك .. علشان تيجي للعالم اللي احنا فيه ده .. !
انا عارف ان انت مشاكلك كتير مع ابوك .. ومشاكل مع مديرك في الشغل .. وحياتك كلها هموم ومشاكل .. وكنت بتتمنى الموت .. فـ احنا حبينا نساعدك .. وعيد حاول اكتر من مره .. فاكر اول يوم لما خدك معاه .. لولا انك رفضت تكمل كنت ارتحت من يومها .. !
هاني : بس انا مش عايز اموت .. !
الجد : ازاي .. ما انت كان طول عمرك بتتمناها .. دلوقتي مش عايز .. !
هاني : واهلي .. نفسي اشوفهم .. يا ترى امي حالها ايه ..
الجد : ما تخافش .. انت هتقدر تشوفهم .. بس هما مش هيشوفوك .. ولا هيسمعوك إلا في الاحلام بس .. !
ويظل الحديث مع جده .. ومع جدته .. ومع عيد .. حتي طلوع الصباح .. هنا وجد نفسه يستطيع ان يطير في السماء بكل حريه .. حتي وصل الي منزله .. وجد آهله .. نظر الي امه سامحيني يا امي .. ولكنها لم تنظر له .. فهي بالطبع لا تسمعه .. ولا تراه .. هنا سمع ابوه يتحدث الي امه عن اشتياقه له .. فردت امه : اللي يشوف كده ما يشوفش لما بيكون هنا بتزعقله ازاي ..
الاب : غصب عني .. ده هو ابني الوحيد .. لازم اشد عليه .. ده هو روحي ..
الام : والله عندك حق .. وحشنا اوي ..
هنا يسمع كل هذا .. يقف بينهم .. كل ما يفعله هو البكاء .. ويقترب من ابوه سامحني يا ابي .. يصرخ اكثر سامحني يا ابي اتوسل اليك .. اخطأت في حقك كثيرا ً .. ولكن الاب لا يستمع لـ أي شىء ..
هنا يرن هاتف البيت .. تذهب الام للرد : ايوة يا ابني .. اه هنا .. هنا تصرخ .. وتلقي السماعه من بين يديها .. ابني مات .. ابني مات .. ينهار الاب .. اصوات تعلو .. وتعلو ..
هنا يقترب هاني .. سامحووني .. سامحووني .. انا اسف يا امي .. ياريت ااقدر ارجع .. سامحيني يا امي .. سامحيني يا امي ..

هناك تعليق واحد: